بعد تعادل محبط أمام استاد مالي في مباراته الافتتاحية، يجد الترجي الرياضي التونسي نفسه أمام ضرورة ملحّة لتدارك العثرة سريعًا حين يتوجه إلى أنغولا لمواجهة بترو أتلتيكو، يوم السبت في تمام الساعة 17:00، ضمن الجولة الثانية من منافسات المجموعة الرابعة في دوري أبطال أفريقيا. مباراة توصف منذ الآن بأنها حاسمة بالنسبة لأبناء باب سويقة، الذين يدخلون هذا الموعد مثقلين بالغيابات ومتطلعين إلى تحقيق انتصار يعيد إليهم الثقة ويُحيي حظوظهم القارية.
بداية باهتة وضغوط متزايدة
لم يرتقِ الظهور الأول للترجي في دور المجموعات إلى مستوى تطلعات جماهيره ولا إلى طموحات النادي المعتادة. فالتعادل السلبي 0-0 في رادس أمام استاد مالي خلّف حالة من الإحباط، خصوصًا وأن الفريق التونسي كان مطالبًا بالدخول بقوة في هذه النسخة لتعويض إخفاقات السنوات الماضية وإعادة الاعتبار لهيبته القارية.
ورغم السيطرة النسبية على مجريات المباراة، افتقد الترجي للفعالية أمام المرمى، وبدا عاجزًا عن ترجمة الفرص القليلة التي أُتيحت له، الأمر الذي وضعه مبكرًا تحت الضغط في مجموعة تُوصف بالصعبة، حيث لا يسمح فارق المستويات بالتفريط في النقاط، خاصة على ملعبه.
هذا التعثر المبكر جعل من رحلة لواندا محطة حاسمة لإعادة إحياء الديناميكية، وإثبات أن الأداء الضعيف في الجولة الأولى لم يكن سوى حادثًا عابرًا لا يعكس حقيقة قدرات الفريق ولا طموحه في الذهاب بعيدًا في المسابقة.
مهمة محفوفة بالمخاطر في لواندا
يدرك الإطار الفني للترجي أن مواجهة بترو أتلتيكو، على أرضه وأمام جماهيره، لن تكون مهمة سهلة على الإطلاق. فالفريق الأنغولي أثبت في السنوات الأخيرة أنه من أكثر الأندية الأفريقية تطورًا، سواء على المستوى الفني أو البدني، كما اكتسب خبرة معتبرة في إدارة مباريات دور المجموعات والمراحل المتقدمة من دوري الأبطال.
وبدخوله المباراة مدفوعًا بانتصار ثمين خارج قواعده أمام سيمبا التنزاني (1-0)، يدخل بترو أتلتيكو بأريحية نفسية كبيرة وبثقة قد تشكل فارقًا على أرضية الميدان. فالفوز خارج الديار في بداية المشوار يمنح أي فريق دفعة معنوية هائلة ويجعله أكثر جرأة في تعامله مع بقية المباريات، خاصة حين يستقبل منافسًا كبيرًا بحجم الترجي.
ومن المنتظر أن تشهد مدرجات ملعب لواندا حضورًا جماهيريًا غفيرًا، يزيد من صعوبة المهمة على ممثل الكرة التونسية، خصوصًا وأن الفريق المحلي عادة ما يعتمد بشكل كبير على دعم أنصاره لتعزيز الإيقاع وإرباك المنافسين منذ الدقائق الأولى.
أما العامل النفسي، فيلعب هو الآخر دورًا مهمًا، حيث يسعى لاعبو بترو أتلتيكو لمواصلة النتائج الإيجابية وتأكيد جاهزيتهم للمنافسة على صدارة المجموعة، وليس فقط على بطاقة التأهل.
غيابات مؤثرة تربك حسابات الكنزاري
لا تقتصر صعوبة المهمة على جودة المنافس فحسب، بل تتضاعف بسبب الغيابات التي يعاني منها الترجي. فالفريق سيخوض المباراة دون عدد من أبرز عناصره، وفي مقدمتهم يوسف بلايلي، يان ساس، وإبراهيم كيتا، الذين يواصلون الغياب لأسباب مختلفة، سواء بدنية أو صحية.
ويضاف إلى قائمة المتغيبين المدافع محمد أمين توغاي، الذي عاد للتو من الإصابة لكنه التحق بمنتخب بلاده للمشاركة في كأس العرب قطر 2025، وهو ما يحرم الترجي من أحد أعمدته الأساسية في الخط الخلفي.
هذه الغيابات تفرض على المدرب ماهر الكنزاري إعادة النظر في خطته التكتيكية، خصوصًا على مستوى البناء الهجومي. فالفريق ظهر في المباراة السابقة عاجزًا عن خلق الحلول، وكانت التحركات في الثلث الأخير من الملعب تفتقر إلى الجرأة والابتكار، الأمر الذي يجعل من الضروري البحث عن بدائل قادرة على إحداث الفارق.
وقد يجد الكنزاري نفسه مضطرًا لإجراء تعديلات جريئة، سواء من حيث الأسماء أو التمشي العام، من أجل منح الفريق النجاعة المطلوبة. كما أن الرهان سيكون أكبر على لاعبين شبان أثبتوا في مناسبات سابقة قدرتهم على التألق عند الحاجة، ولو أن افتقاد الخبرة القارية قد يشكل عبئًا عليهم في مثل هذه المواجهات المعقدة.
بترو أتلتيكو… منافس قوي وخبير
يعدّ بترو أتلتيكو واحدًا من أبرز الأندية الأنغولية والفرق التي أصبحت تتمتع بحضور ثابت في دوري أبطال أفريقيا، سواء من حيث المشاركة أو من حيث الأداء. فالفريق يمتلك مجموعة متجانسة من اللاعبين القادرين على فرض نسق عالٍ طوال المباراة، إضافة إلى لاعبين مهاريين بإمكانهم تغيير مجرى اللقاء في أي لحظة.
وما يزيد من صعوبة المهمة على الترجي هو أن الفريق الأنغولي يعيش ديناميكية إيجابية هذا الموسم، مستفيدًا من العمل الفني الذي يقوم به طاقمه التدريبي، ومن ضمنه المدرب المساعد التونسي أنيس بوسعيدي الذي ساهم، وفق تقارير محلية، في تطوير الجوانب التكتيكية وتحسين توازن الفريق.
بوسعيدي، الذي يعرف جيدًا الكرة التونسية وبالأخص الترجي، قد يكون عنصرًا مؤثرًا في قراءة أسلوب أبناء باب سويقة وتحليل نقاط قوتهم وضعفهم، الأمر الذي سيمنح بترو أتلتيكو أفضلية إضافية في التحضير للمواجهة.
مفتاح المباراة… بين الصلابة الدفاعية والنجاعة الهجومية
أمام كل هذه المعطيات، يبدو أن مباراة لواندا ستحدد ملامح طريق الترجي في هذه النسخة. فالفوز سيعطي الفريق دفعة قوية ويضعه في مسار تنافسي جيد قبل استكمال مباريات المجموعة، أما الهزيمة فستتركه في موقف معقد، خاصة إذا نجح منافساه الآخران في تحقيق نتائج إيجابية.
سيراهن الترجي على صلابته الدفاعية التي تميز بها في المواسم الأخيرة، لكنه بحاجة أيضًا إلى تحسن كبير في الفاعلية الهجومية. فالكرة الأفريقية لا ترحم، وإضاعة الفرص المكلفة قد تكون سببًا مباشرًا في الخروج المبكر من المسابقة.
ومن المنتظر أن يعتمد الترجي على أسلوب متوازن بين الدفاع المنظم ومحاولة استغلال المساحات التي قد يتركها الفريق الأنغولي، خاصة في حال اندفاعه للهجوم بدعم جماهيره.
مواجهة مبكرة بطابع “نهائي”
باختصار، تحمل هذه المباراة طابع “نهائي صغير” بالنسبة للترجي، رغم أنها تأتي في الجولة الثانية فقط. فريق باب سويقة مطالب بإظهار شخصية قوية وتقديم أداء مقنع يعيد للجماهير ثقتها، ويبرهن أن الفريق قادر على تجاوز الصعوبات رغم الظروف المعقدة.
المواجهة بين بترو أتلتيكو والترجي تعدّ واحدة من أبرز مباريات هذه الجولة في دوري الأبطال، ومن شأن نتيجتها أن ترسم الخطوط العريضة لصراع المجموعة الرابعة، وخاصة ما يتعلق ببطاقتي التأهل إلى الدور ربع النهائي.
