تونس والبرازيل… مواجهة تاريخية بروح جديدة ورهانات كبرى قبل الاستحقاقات العربية والإفريقية



يستعدّ المنتخب التونسي لكرة القدم لخوض اختبار ودي من العيار الثقيل عندما يواجه نظيره البرازيلي مساء غد الثلاثاء على ملعب بيار موروي بمدينة ليل الفرنسية، بداية من الساعة الثامنة والنصف ليلاً. وتأتي هذه المباراة في ختام النافذة الدولية لشهر نوفمبر، وفي إطار تحضيرات “نسور قرطاج” لكأس العرب بقطر من 1 إلى 18 ديسمبر 2025، ثم كأس أمم إفريقيا بالمغرب من 21 ديسمبر 2025 إلى 18 جانفي 2026، وهما محطتان مفصليتان في مسيرة المنتخب خلال الموسم الكروي الجديد.


ورغم الطابع الودي للمواجهة، فإنّها تحمل في طيّاتها رمزية خاصة وثقلاً معنوياً كبيراً للمنتخب التونسي، نظراً لقيمة المنافس ومكانته العالمية. فمنتخب السامبا، صاحب الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بكأس العالم بخمسة ألقاب، يبقى دائماً محطة اختبار حقيقية لأي منتخب يسعى لتطوير أسلوب لعبه والارتقاء بمستواه الفني والذهني. وتزداد أهمية اللقاء بسبب التاريخ المشترك المحدود بين المنتخبين، إذ تعدّ هذه المواجهة الثالثة فقط بينهما عبر أكثر من نصف قرن، بعد مباراتين سابقتين انتهتا بخسارتين ثقيلتين لنسور قرطاج: الأولى سنة 1973 بنتيجة 4-1 في المنزه، والثانية سنة 2022 بنتيجة 5-1 في حديقة الأمراء.


هذا الإرث التاريخي يجعل من مباراة ليل موعداً لردّ الاعتبار، ومحاولة إثبات القدرة على منافسة أكبر مدارس كرة القدم، مهما كان فارق الخبرة والقيمة السوقية بين اللاعبين. ويعي الجهاز الفني للمنتخب التونسي أن مثل هذه الاختبارات، رغم صعوبتها، ضرورية لبناء شخصية قوية للفريق قبل دخول المنافسات الرسمية. فالمواجهة أمام البرازيل ليست فقط فرصة لاختبار الخطط التكتيكية، بل أيضاً مناسبة لقياس قوة المجموعة من الناحية الذهنية وقدرتها على الثبات أمام فرق كبرى تملك نجوماً يلعبون في أهم الدوريات العالمية.


وعلى المستوى الفني، يتوقّع أن يجري المنتخب التونسي جملة من التغييرات مقارنة بالمباريات الماضية، سواء لتجريب عناصر جديدة أو لإراحة بعض اللاعبين الذين خاضوا عدداً كبيراً من الدقائق هذا الموسم. ومن المنتظر أن يمنح المدرب فرصة لعدة أسماء شابة برزت في المعسكر الأخير، بهدف توسيع دائرة الخيارات قبل خوض كأس العرب التي ستكون أول اختبار رسمي في ديسمبر المقبل. كما ستسمح مباراة البرازيل بتقييم جاهزية بعض اللاعبين العائدين من إصابات، والوقوف على مدى انسجامهم مع النسق العالي للمباريات الدولية.


أما على الجانب الآخر، فمن المرجح أن يخوض المنتخب البرازيلي اللقاء بتشكيلة تجمع بين الخبرة والشباب، خاصة وأنه يمرّ بمرحلة إعادة بناء بعد سلسلة تغيرات في الجهاز الفني. وتمثّل المباراة بالنسبة لمنتخب السامبا فرصة لمواصلة التجارب وإتاحة الفرصة لعدد من المواهب الصاعدة التي بدأت تلفت الأنظار في الدوريات الأوروبية. ورغم الطابع الودي، فإن البرازيل، كعادتها، ستسعى إلى تقديم أداء ممتع وفعّال، خاصة في ظل الحضور الجماهيري المنتظر على ملعب ليل، حيث تمثل مباريات البرازيل في أوروبا دائماً حدثاً جماهيرياً لافتاً.


من الناحية النفسية، يدرك لاعبو تونس أنّ مواجهة فريق بحجم البرازيل يمكن أن تشكل دفعة معنوية كبيرة في حال تقديم أداء مقنع، حتى إن لم يتحقق الفوز. فالختام الإيجابي للنافذة الدولية سيكون مهماً قبل السفر إلى الدوحة لخوض كأس العرب، التي ستكون محط أنظار الجماهير التونسية الراغبة في رؤية منتخبها يعود إلى الواجهة قارياً وإقليمياً. كما أنّ الأداء الجيد أمام منتخب عالمي سيعزز ثقة اللاعبين في أنفسهم قبل دخول غمار كأس أمم إفريقيا بالمغرب بعد أسابيع قليلة.


في النهاية، يمكن القول إن مباراة تونس والبرازيل غداً ليست مجرد ودية عابرة، بل هي موعد يرتدي ثوب التاريخ، ويختزن في داخله الكثير من الرسائل والرهانات. فبالنسبة لنسور قرطاج، هي فرصة لتأكيد التطور، واختبار جاهزية المجموعة، وبعث رسالة طمأنة للجماهير بأن المنتخب يسير في الاتجاه الصحيح. وبالنسبة للبرازيل، هي محطة لاستكمال البناء وتجربة أسلوب لعب جديد. وبين هذا وذاك، يترقب عشاق الكرة مباراة واعدة من حيث الندية والإثارة، مهما كانت حصيلتها النهائية على لوحة النتيجة.